باب الحارة والسل: نافذة لتاريخنا الصحي
شدنا مسلسل باب الحارة كثيرا من الجزء الاول ليحملنا معه ويدخلنا بأحداثه سنة تلو أخرى وصولاً إلى الجزء السابع، الذي فيه تتوالى الأحداث بدءاً بإصابة نادية الزوجة الثانية لأبو عصام بمرض السل وخوفها من نشره للاخرين

هنا قد يخطر في بال المشاهد العديد من الأسئلة والاستفسارات حول هذا المرض، وانتشاره والإصابة به بذاك الزمان، أي في عصر الاحتلال الفرنسي لسوريا، وكيف ساهم تدني الاوضاع الصحية في وفاة العديد من مرضى السل بهذا المرض، ليس فقط في المنطقة انما العالم باسره.
ومن الاسباب التي ادت الى وفاة العديد من الناس في تلك الفترة كانت الامراض المعدية التي انتشرت في ذاك الوقت، وبالأخص السل. حيث ساعدت العوامل التي ميزت تلك الفترة في انتشار هذه الامراض.
السل بين الماضي والحاضر
انتشر مرض السل في السنوات الاولى من القرن الماضي بشكل هائلاً جداً في العالم أجمع، إلا أنه مع تقدم العلم وبفضل اختراع الدواء لعلاجه عام 1940، انحسر انتشار هذا المرض، لتعلن إدارة الصحة الأمريكية قبل عقدين تقريباً أنه تم القضاء على مرض السل في العالم. إلا أنه عاود الظهور بشكل جديد يدعى "السل المقاوم لأدوية متعددة- Multidrug Resistant Tuberculosis مسبباً أزمات وكوارث في عدد كبير من المناطق حول العالم.
وبشكل عام يعتبر مرض السل قاتلاً وقد قضى على معظم المرضى في السنوات الاولى لظهوره وخصوصاً في الفترة الزمنية التي نعيشها مع مسلسل باب الحارة.
السل يعتبر ايضاً مرض معدي. فالجرثومة المسببة الإصابة به تنتقل بالهواء، إلا أنه وبالرغم من ذلك قد يكون من شبه المستحيل الإصابة به من خلال لقاء واحد مع المصاب، بل يتحتم على الشخص التعرض الدائم تقريباً للجرثومة للإصابة به.
إن عدم وجود المضادات الحيوية او حتى التطعيمات اللازمة انذاك ونظراً لتدني المستوى الطبي وبالأخص في دول العالم الثالث، إلى جانب عدم وجود الوعي الكافي لدى المواطنين وسوء الأوضاع الاقتصادية وبالتالي شح توفر الأدوية والعلاجات، ساعد بشكل أساسي في انتشار المرض بشكل كبير وعدم السيطرة عليه وعلاجه .
حيث كان يتم عزل المريض بشكل شبه تام حتى يلقى حتفه بعيداً عن العامة لضمان عدم إصابة من حوله بنفس المرض. وأعلنت منظمة الصحة العالمية في هذه الحقبة الزمنية أن مرض السل يشكل طارئاً صحياً عالمياً، وفي عام 1996 قدرت أعداد الإصابات بالمرض واحد لكل ثلاثة أشخاص عالمياً.
امراض معدية وموت شبه محتوم
الملاريا والكوليرا من الأمراض الفتاكة التي انتشرت بشكل كبير قديماً وقضت على العديد والكثير من المرضى، وبالرغم من تراجع انتشارهم، إلا أن الملاريا لا تزال تشكل مشكلة وبائية عالمية وبالأخص في دول العالم الثالث، حيث تشير احصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أن طفلا واحدا يتوفى كل دقيقة بسبب الملاريا!
حيث يعتبر مرض الملاريا من المسببات الرئيسية للوفاة حول العالم، وهو عبارة عن عدوى طفيلية يصاب بها الإنسان من خلال لدغة البعوض الحاملة لأبواغ فيروس الملاريا في غددها اللعابية، وفي حال عدم معالجة المرض فوراً يعتبر قاتلاً.
أما بالنسبة لمرض الكوليرا، فأصاب المواطنين بشكل كبير في العهد العثماني، والتي تحدث بسبب تناول الأطعمة والماء الملوث ببكتيريا الكوليرا، وإن لم يتم علاج المرض فوراً، يفتك بالمصاب بظرف ساعات معدودة.
وشهد العالم عدة فورات لانتشار مرض الكوليرا فيها، وصل عددهم إلى سبع هبات عنيفة، وكان وباء الكوليرا السادس ما بين عامي 1899 - 1923 الأعنف في عهد الدولة العثمانية، حيث قضى على العديد من الأرواح.
وتشير احصائيات عام 2014 الخاصة بمنظمة الصحة العالمية إلى أن الكوليرا يصيب حوالي 5 ملايين حالة حول العالم سنوياً، وعدد الوفيات يصل إلى 120,000 حالة وفاة.
لا ننسى ايضاً أن الامراض المعدية التي نشفى منها اليوم بسهولة، ونعتبرها أمراضاً عابرة، كانت تعتبر حينها أمراضا خطيرة تهدد حياة المصاب مثل الانفلوزا او حمى النيل الغربي وغيرها من الامراض التي أصبحت بسيطة في وقتنا الحاضر.
تقدم الطب فتغيرت اسباب الوفاة
ان التقدم الطبي الذي رافق التكنولوجيا المتطورة ساعد في الحد من انتشار العديد من الأمراض المعدية المختلفة، والتي كانت سابقاً خطراً يهدد البشرية، وارتكز هذا التطور الطبي بشكل أساسي لمواجهة هذه التهديدات، على:
- اكتشاف المجهر microscope في القرن السادس عشر، أعطى فرصة أمام الباحثون وللمرة الأولى لرؤية الكائنات الحية الدقيقة والتعرف عليها عن قرب.
- تطوير المضادات الحيوية التي استطاعت علاج العديد من الأمراض التي اعتبرت قاتلة في ذاك الوقت، وتم ذلك في عام 1940.
- اكتشاف التطعيمات: حيث كان أول لقاح في عام 1796 ضد مرض الجدري، والذي كان نقطة انطلاق لكثير من الباحثين لاكتشاف لقاحات متعددة لأمراض مختلفة.
ان هذه التطورات الثلاث مجتمعة ساعدت حقاً في جعل بعض الوباءات العالمية مجرد أمراض عادية ولا تهدد حياة الإنسان.
ولكن في المقابل، رافق هذا التطور الهائل عدداً من التغييرات المختلفة، مثل ارتفاع معدل عمر الإنسان وانخفاض عدد الوفيات، وتغيير نمط الحياة الذي أصبح معتمداً اكثر على الوجبات السريعة والابتعاد عن ممارسة أي نوع من التمارين الرياضية وما إلى ذلك.
وللأسف انعكست هذه الأمور بشكل سلبي في كثير من الأحيان على حياة الإنسان، حيث ساهمت في اكتشاف والتعرف على أمراض لم تكن معروفة من ذي قبل مثل أمراض الشيخوخة (الالزهايمر، الخرف وبعض امراض السرطان..) بالإضافة إلى انتشار الأمراض المزمنة بشكل لافت للنظر مثل السكري والسمنة وحتى أمراض القلب، التي سببها بالاساس نمط حياة غير سليم. امراضٌ التي يمكن القول انها استبدلت الامراض المعدية كالمسبب الاول للوفاة حول العالم.
وبالرغم من هذا كله، إلا أن العلم والطب لن يتوقف عند هذا الحد، حيث لا زال الباحثون يعكفون حتى يومنا هذا على ايجاد العلاجات اللازمة للأمراض الحديثة والقديمة أيضاً وكذلك اللقاحات لبعض الامراض المعدية التي لا تزال تهدد الانسان. فتماماً كما تتطور اللقاحات والادوية كذلك الفيروسات والبكتيريا تتطور ايضاً (مثل فيروس الانفلوزا والايبولا وفيروس الكورونا).
تحدثي مع طبيب نسائية بخصوصية تامة في عيادة ويب طب الالكترونية

تحدثي مع طبيب نسائية بخصوصية تامة في عيادة ويب طب الالكترونية