النزعة الوراثية للنزف
Inherited Bleeding Tendency
إن المصابين بالهيموفيليا (الناعور- Hemophilia)، بخلاف الرأي السائد، أنهم يميلون للنزف، فإنهم لا ينزفون بشكل مبالغ عقب إصابات طفيفة، ولكنهم ينزفون بشكل تلقائي للمفاصل، للمسالك البولية وجهاز الهضم وحتى الدماغ. إن النزف للمفاصل إذا لم يتم علاجه قد يسبب أضرارًا جسيمة لدرجة العجز، بسبب تقييد حركة المفاصل. يوجد هناك نوعان من الهيموفيليا: الشائعة - هيموفيليا من نوع A التي تحدث بسبب طفرة بالجين المشفر لعامل التخثر VIII الموجود على الصِّبْغي Chromosome X) X)، والنوع الأقل شيوعًا هو هيموفيليا B الذي يحدث بسبب طفرة بالجين المشفر لعامل التخثر IX، والذي هو أيضًا موجود على الصبغي X. ليست هناك لدى ثلث المصابين بالهيموفيليا، حالات مرض في العائلة، في الحاضر أو في الماضي، ما يثبت أن ظهور الهيموفيليا متعلق بتطور طفرات جديدة، بالجينات المشفرة لعوامل التخثر VIII و IX.
إن الأبحاث التي أجريت على مرضى الهيموفيليا وأمراض النزيف الوراثية الأخرى، أدت خلال العقود الأخيرة، إلى فهم عملية تخثر الدم؛ فمنذ أيام هيبوكراطس، والعلماء حائرون بمسألة، كيف أن الدم في الوضع السليم يجري بالأوعية الدموية دون تخثره، بينما حينما يصاب الشخص يبدأ الدم بالتخثر بنجاعة حتى يتوقف النزيف. توجد هناك عمليتان تتمان في نفس الوقت.
تُجَرُّ صفائح الدم، في العملية الأولى، لمكان الإصابة في الوعاء الدموي، وتتكوم في مجموعة واحدة عن طريق التصاقها ببعضها البعض. أما في العملية الثانية، فهناك عامل النسيج (Tissue factor)، وهو بروتين مخزن في الخلايا المتواجدة بجدران الأوعية الدموية، يحفز حدوث سلسلة من العمليات البيوكيميائية التي تتحول من خلالها عوامل التخثر غير النشطة إلى إنزيمات فعالة. يتم في نهاية هذه العمليات إنتاج الإنزيم الأهم لعملية التخثر وهو الثرومبين (Thrombin) الذي يحوّل الفيبرينوغين (Fibrinogen) الذائب إلى شبكة صلبة من الفيبرين (Fibrin). تَحْبِسُ هذه الشبكة بداخلها الكريات الحمراء، الكريات البيضاء، والصفائح الدموية، بحيث يشكل الخليط الجلطة الدموية، التي تسد منطقة الإصابة في الأوعية الدموية وتوقف النزيف.
توجد، بالإضافة لنقص عوامل التخثر VIII و- IX، نواقص وراثية إضافية بعوامل تخثر أخرى، وهي أيضًا تسبب نزعة (ميل زائد) للنزيف، تكون أقل خطرًا من نزيف الهيموفيليا بكلا نوعيه. على سبيل المثال، النقص الوراثي لعامل التخثر 11. لا يؤدي هذا النقص لنزيف تلقائي، بل يظهر النزيف، فقط عندما يقوم المريض بقلع الأسنان أو بعمليات جراحية. تحدث أنواع أخرى من الخِلل الوراثي المسبب للنزيف، بسبب خلل بمركبات غلاف الصفائح الدموية، مما يؤثر على عمل الصفائح، إن كان خلل بمجيئها إلى الجزء المتضرر من الوعاء الدموي، أو خلل بالتحامها مع بعضها البعض.
مثال على هذا النوع من النقص، هو مرض وَهَنِ الصَّفيحات المنسوبلغلانزمان (Glanzmann thrombasthenia)، الذي يؤدي إلى النزيف التلقائي الوخيم، من الأنف، الفم، الجهاز الهضمي ودورات الحيض الشهرية.
كانت الملكة فيكتوريا في إنكلترا حاملة لهذا المرض، وقد أصاب واحدًا من أبنائها (ليوبولد) وعددًا من أحفادها وأبناء أحفادها، ولكن الأكثر شهرة من بين أبناء الأحفاد كان ألكسي ابن ألكساندرا، التي كانت زوجة القيصر نيكولاس الثاني. كانت تحدث لألكسي أعراض المرض التقليدية، كالنزيف التلقائي للمفاصل المصحوب بآلام شديدة؛ والوحيد الذي استطاع التخفيف من معاناة ألكسي كان راسبوتين، وذلك عن طريق التنويم المغناطيسي، وبسبب ذلك نال راسبوتين فيما بعد، منصبًا سياسيًّا رفيعًا في بلاط القيصر.