فقد الذاكرة
Amnesia
فقد الذاكرة أو النساوة تُشير إلى حالة فقدان القدرة على تذكر أمور معينة، مثل: حقائق، وأحداث في الماضي، ومعلومات وتجارب من الماضي وذلك بشكل يومي، وتُدعى هذه الظاهرة أيضًا بمتلازمة فَقد الذاكرة، وهي ليست ذات صلة بالمشاكل المرتبطة بالإصغاء، والإدراك الحسي، واللغة، والقدرة على الاستنتاج والدافعية.
الأشخاص الذين يُعانون من ظاهرة فقد الذاكرة يتمتعون عادةً بصفاء ذهني ويُحافظون على استقلاليتهم، لكنهم يُواجهون مشاكل جدية في حال طلب منهم تعلم أمر جديد، ومعالجة معلومة جديدة، وتكوين ذكريات جديدة، فمن الممكن أن لا يستطيعوا تذكر أحداث حصلت في ماضيهم أو معلومات من الماضي.
وبالرغم من إن فقد الذاكرة عادةً جزء لا يتجزأ من حبكة الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية إلا أنه نادر الحدوث في الحياة الواقعية.
وخلافًا لحالات فقدان الذاكرة العابرة، أو فـَقـْد الذاكرة الشامل العابر (Transient Global Amnesia - TGA) النساوة هي ظاهرة غير عابرة، والعلاج بواسطة الأدوية، أو العلاجات الطبية الأخرى لا تستطيع إعادة الذاكرة المفقودة في مرض النساوة، ومع هذا بإمكان بعض الطرق لتحسين الذاكرة بالإضافة إلى الدعم الاجتماعي والعلاج النفسي مساعدة الأشخاص.
فقدان الذاكرة لا يُؤذي مستوى الذكاء (Intelligence)، أو الثقافة العامة، أو الإدراك، أو مستوى الإصغاء، أو القدرة على الحكم، أو الشخصية، أو الهوية الفردية، وباستطاعة الأشخاص الذين يُعانون من مرض النساوة أن يفهموا الكلمات المكتوبة والمسموعة، وأن يتعلموا مهارات جديدة، مثل: ركوب الدراجة، أو العزف على البيانو، هؤلاء الأشخاص ينجحون جيدًا في اختبارات الانتباه والتركيز واستخلاص الاستنتاجات، وهم يدركون ويفهمون أنهم يُعانون من مشكلة في الذاكرة.
يختلف مرض فقد عن الخرف (Dementia)، فالخرف يشمل فقدان الذاكرة، لكنه يكون مصحوبًا باضطرابات إدراكية إضافية بارزة، من الممكن أن تؤدي إلى خلل في القدرة على أداء أعمال يومية بسيطة، وبالرغم من وجود نوع معين من النسيان يُصاحب الاضطرابات الإدراكية البسيطة، إلا أن مشاكل الذاكرة المرافقة لهذا الخلل لا تكون شديدة الخطورة مثل تلك التي تُرافق النساوة.
أنواع فقد الذاكرة
هناك نوعان رئيسيان لفقدان الذاكرة، وهما:
- فقدان الذاكرة العصبي.
- فقدان الذاكرة التفارقي (Dissociative amnesia).
أعراض فقد الذاكرة
من الأعراض الشائعة لمرض فقدان الذاكرة:
- تراجُع القدرة على تعلم ومعالجة معلومات جديدة تزامنًا مع بداية مرض النساوة.
- تراجع القدرة على تذكر أحداث وقعت في الماضي أو معلومات كانت معروفة في الماضي (Retrograde amnesia).
- مشاكل في الذاكرة قصيرة الأمد (Short term memory)، إذ لا يستطيعون احتواء أي معلومة جديدة.
- فقدان ذكريات الماضي القريب، بينما الاحتفاظ بذكريات الماضي البعيد المخزونة عميقًا في الذاكرة.
- التفكير بذكريات مخطوءة، مثل: قصصًا كاذبة وملفقة كليًا، أو مجموعة من الذكريات الحقيقية لكنها غير مرتبة بشكل صحيح.
- وجود اعتلالات عصبية، مثل: حركات لا تناسق بينها، أو ارتعاشات.
- تشوّش أو تَوَهان في المكان.
أسباب وعوامل خطر فقد الذاكرة
يتطلب عمل الذاكرة بصورة سليمة تفعيل عدة أجزاء من الدماغ، ومن شأن أي مرض يُؤثر على الدماغ أن يُشكل عاملًا معيقًا لعمل الذاكرة المركب والمعقد. تنشأ النساوة نتيجة لضرر في بنية الدماغ المسؤول عن القدرات اللغوية، وعن الأحاسيس، والذاكرة، هذه البنية تشمل الحُصَيْن (Hippocampus)، والمِهاد (Thalamus)، الموجودة عميقًا في القسم الداخلي من الدماغ، وفي الجزء السفلي من الفصوص الأمامية (Anterior lobes).
أسباب فقد الذاكرة
تختلف أسباب فقدان الذاكرة باختلاف نوع فقدان الذاكرة كالآتي:
1. أسباب فقدان الذاكرة العصبية
المسببات الأساسية للنساوة العصبية:
- السكتة الدماغية (Stroke).
- التهاب الدماغ (Encephalitis) من جرّاء عدوى يُسببها فيروس، مثل: فيروس الهربس البسيط (HSV).
- التهاب الدماغ الحوفي المتعلق بالأبعاد الورمية (PLE - Paraneoplastic Limbic encephalitis) نتيجة لرد فعل الجهاز المناعي على مرض السرطان الموجود في عضو آخر في جسم المريض.
- نقص في تزويد الأكسجين المنتظم إلى الدماغ عقب نوبة قلبية، أو ضائقة تنفسية، أو تسمم بأول أكسيد الكربون.
- نزيف في الفراغ الموجود بين الجمجمة والدماغ ويُسمى نزف تحت العنكبوتية (Subarachnoid hemorrhage).
- استهلاك مفرط للمشروبات الكحولية التي تؤدي إلى نقص في الثيامين، مثل: متلازمة فيرنيكة كورساكوف (Wernicke Korsakoff syndrome).
- ورم في أجزاء الدماغ المسؤولة عن ضبط الذاكرة.
- بعض المتلازمات المعينة من نوبات الصرع (Epilepsy).
- المعالجة بالتخليج الكهربيّ أو المعالجة بالصدمة الكهربائية (Electroconvulsive treatment - ECT).
- إصابات في الرأس، مثل: الإصابات في حوادث الطرق، والتي يُمكن أن تُؤدي إلى التشوش وإلى مشاكل في القدرة على تذكر ومعالجة معلومات جديدة، وخاصة خلال المراحل الأولى من الشفاء، لكن هذه المشاكل تكون في غالبية الحالات عابرة.
- الاضطراب الإدراكي المعتدل (Mild Cognitive Impairment - MCI).
2. أسباب فقدان الذاكرة التفارقي
يظهر نتيجة لصدمة نفسية أو رضة (Trauma)، مثل أن يكون الشخص ضحية لعمل إجرامي عنيف، في هذا النوع من الاضطراب قد يفقد الشخص جزءًا من الذكريات الشخصية والمعلومات عن سيرته الذاتية لعدة ساعات، لأيام أو لفترة أطول.
الفئات المعرضة للخطر
يزداد خطر الإصابة بمرض النساوة إذا تعرض الإنسان إلى إحدى التجارب الآتية:
- عملية جراحية في الدماغ، إصابة في الرأس أو رضح.
- سكتة دماغية.
- استهلاك مفرط للمشروبات الكحولية.
مضاعفات فقد الذاكرة
تختلف حدة مرض النساوة ونطاقه من حالة إلى أخرى، ولكن حتى مرض النساوة بدرجة بسيطة أو معتدلة يُمكن أن تُؤثر تأثيرًا كبيرًا على حياة الشخص المريض، حيث يُؤثر سلبًا على الآتي:
- يُؤثر على نمط الحياة اليومي وعلى جودة الحياة، وقد تُؤدي النساوة إلى مشاكل عديدة في العمل، وفي المدرسة، وفي الحياة الاجتماعية.
- يُعاني بعض الأشخاص من مشاكل شديدة الخطورة في الذاكرة يضطرون إلى قضاء حياتهم تحت إشراف وعناية دائمين ومتواصلين، أو الانتقال للعيش في مركز علاجي ملائم.
تشخيص فقد الذاكرة
بغية تشخيص مرض فقد الذاكرة على الطبيب المعالج إجراء تقييم شامل، من أجل نفي مسببات أخرى محتملة لفقدان الذاكرة، مثل: مرض الخرف، أو مرض الزهايمر، أو الاكتئاب، أو ورم في الدماغ، ويبدأ إجراء هذا التقييم بدراسة مدققة لتاريخ المريض الطبي، ويتم التشخيص بالآلية الآتية:
1. إجراء مقابلة مع المريض وعائلته
وفي الغالب يُوجه الطبيب المعالج أسئلة بهدف تحديد مدى الإصابة في الذاكرة، وقد تشمل الأسئلة التي يُمكن أن تُشكل جزءًا من التقييم:
- هل باستطاعة المريض تذكر أحداث من الماضي القريب، أو البعيد؟
- متى بدأت مشاكل الذاكرة وكيف تطورت مع الوقت؟
- هل تعرض لعوامل محفزة، مثل: إصابة في الرأس، أو سكتة دماغية، أو عملية جراحية؟
- هل هناك التاريخ العائلي للمرض مع تشديد خاص على أمراض عصبيةّ محتملة؟
- هل يتناول المشروبات الكحولية، أو يتعاطى المخدرات؟
- هل ثمة علامات أخرى، مثل: الارتباك، أو مشاكل في اللغة، أو تغييرات في الشخصية، أو خلل في قدرة الشخص على الاهتمام بنفسه؟
- هل ثمة تاريخ طبي يشمل حالات من نوبات الصرع، أو أوجاع الرأس، أو الاكتئاب، أو السرطان؟
2. فحص جسماني
يشمل الفحص الجسماني عادةً فحص الجهاز العصبي يختبر ردود الفعل غير الإرادية (Reflexes)، وأداء الحواس، والتوازن وجوانب فيسيولوجية أخرى لعمل الدماغ وجهاز الأعصاب.
3. اختبار قدرة المريض على التفكير
يختبر الطبيب المعالج القدرة على التفكير، والقدرة على الحكم، وذاكرة قصيرة الأمد، والذاكرة طويلة الأمد لدى المريض، ثم يمتحن إلمام المريض بالمعلومات العامة، مثل: اسم الرئيس الحالي، إضافة إلى مدى تذكره لمعلومات شخصية أو أحداث من الماضي، وقد يُساعد تقييم الذاكرة في تحديد مدى فقدان الذاكرة وتوفير معلومات تُساعد في تحديد نوع العلاج المناسب للمريض.
4. فحوصات أخرى
يطلب الطبيب إخضاع المريض لفحوصات تشخيصية أخرى، مثل:
- التصوير بالرنين المغناطيسي (Magnetic resonance imaging - MRI).
- التصوير المقطعي المحوسب (Computed Tomography - CT).
- تخطيط كهربائية للدماغ (EEG - Electroencephalography) بهدف تشخيص أضرار أو انحرافات أخرى في الدماغ.
- فحوصات دم للكشف عن وجود سوء تغذية.
علاج فقد الذاكرة
يتركز علاج فقدان الذاكرة في طرق وتدابير هدفها المساعدة والتعويض عن فقدان الذاكرة، ويكون العلاج كالآتي:
1. المعالجة المهنية (Occupational therapy)
قد يستفيد المصاب بمرض النساوة من المعالجة المهنية بهدف تعلم كيفية خزن معلومات جديدة تستبدل المعلومات القديمة المفقودة، أو كيفية استعمال المعلومات التي لم تتضرر كأساس لتجميع معلومات جديدة، وقد يشمل تدريب الذاكرة فعاليات عديدة ومتنوعة تُساعد على ترتيب المعلومات كي يكون من الأسهل تذكرها في المستقبل وعلى تحسين فهم المحادثات المعقدة.
2. الاستعانة بتشكيلة من الأجهزة الرقمية (Personal Digital Assistant - PDA)
الأجهزة الرقمية، مثل: الحاسوب، والهاتف المحمول يُمكن أن تكون مفيدة جدًا لهم، وبواسطة التدريب والتمرين يُمكن للأشخاص الذين يُعانون من حالة نساوة شديدة الخطورة أن يتعلموا كيفية استعمال شتى الأجهزة والمنظومات الإلكترونية والاستعانة بها لتنفيذ مهماتهم اليومية.
مثلًا: من الممكن برمجة الجهاز الإلكتروني بهدف تذكر تناول الأدوية.
3. العلاج بالطرق التقليدية
ثمة طرق وأدوات مساعدة غير تقنية أيضًا يُمكن أن تُساعد المرضى، وتشمل: دفترًا عاديًا بسيطًا، أو رزنامة، أو شخصَا أخر مهمته تذكير المريض بأن يتناول الأدوية، وصورًا لأشخاص وأماكن معروفة.
4. العلاج الدوائي
حتى يومنا هذا ليس هنالك دواء محدد مخصص لمعالجة غالبية أنواع النساوة، ونظرًا لأن متلازمة كورساكوف تنشأ نتيجة لنقص في الثيامين فإن العلاج يشمل تناول بدائل الثيامين، والحرص على التغذية الصحية والسليمة.
ولا يزال الباحثون يدرسون عدة نواقل عصبية (Neurotransmitters) لها دور في تشكيل الذاكرة، والتي من شأنها أن تُساعد في يوم من الأيام في الكشف عن علاجات جديدة لاضطرابات الذاكرة.
لكن كون العمليات الحاصلة في الدماغ معقدة ومركبة جدًا يجعل احتمال اكتشاف دواء واحد ووحيد يُعالج جميع مشاكل الذاكرة هدفًا شبه مستحيل تقريبًا.
الوقاية من فقد الذاكرة
المسبب الأساسي لغالبية حالات مرض النساوة هو حدوث إصابة دماغية، لذا أفضل طريقة للوقاية هي تجنب حدوث مثل هذه الإصابات، ومن أجل تقليص احتمال الإصابات الدماغية يجب:
- الامتناع عن تناول المشروبات الكحولية بشكل مفرط.
- وضع خوذة على الرأس أثناء ركوب مركبات ثنائية العجلات وربط حزام الأمان أثناء السفر في السيارة.
- معالجة الالتهابات الدماغية بسرعة وبشكل مكثف.
- التوجه للعلاج الفوري لدى حصول سكتة دماغية أو أمهات الدم (Aneurysm) في الدماغ.
العلاجات البديلة
لا يوجد علاج لمرض فقدان الذاكرة بالأعشاب، ولكن هناك بعض الأعشاب التي تُساعد على تنشيط الذاكرة، ومنها:
- الزعتر.
- الميرمية.
- حصى البان.
- عشبة الجنكة.
- عشبة الجينسنغ.